فصل: الخبر عن شأن يغمراسن مع مغراوة وبني توجين وما كان بينهم من الأحداث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن كائنة النصارى وإيقاع يغمراسن بهم:

كان يغمراسن بن زيان بعد مهلك السعيد وانفضاض عساكر الموحدين قد استخدم طائفة من جند النصارى الذين كانوا في جملته مستكثرا بهم معتدا بمكانهم مباهيا بهم في المواقف والمشاهد وناولهم طرفا من حبل عنايته فاعتزوا به واستفحل أمرهم بتلمسان حتى إذا كان سنة اثنتين وخمسين وستمائة بعد مرجعه من بلاد توجين في إحدى حركاته إليها كانت قصة غدرهم الشنعاء التي أحسن الله فى دفاعها عن المسلمين وذلك أنه ركب في بعض أيامه لاعتراض الجنود بباب القرمادين من أبواب تلمسان وبينما هو واقف في موكبه عند قائلة الضحا عدا عليه قائدهم وبادر النصارى إلى محمد بن زيان أخي يغمراسن فقتلوه وأشار له بالنجوى فبرز من الصف لاسراره وأمكنه من أذنه فتنكبه النصراني وقد خالطه روعة أحس منها يغمراسن بمكره فانحاص منه وركض النصراني أمامه يطلب النجاة وتبين الغدر وثارت بهم الدماء من الحامية والرعايا فأحيط بهم من كل جانب وتناولتهم أيدي الهلاك بكل مهلك قعصا بالرماح وهبرا بالسيوف وشدخا بالعصي والحجارة حتى استلحموا وكان يوما مشهودا ولم يستخدم من بعدها جند النصارى بتلمسان حذرا من غائلهتم ويقال إن محمد بن زيان هو الذي داخل القائد في الفتك بأخيه يغمراسن وأنه إنما قتله عندما لم يتم لهم الأمر تبرءا من مداخلته فلم يمهله غاشي الهيعة للتثبت في شأنها والله أعلم.

.الخبر عن تغلب يغمراسن على سجلماسة ثم مصيرها بعد الى إيالة بني مرين:

كان عرب المعقل منذ دخول العرب الهلاليين إلى صحراء المغرب الأقصى أحلافا وشيعا لزناتة وأكثر انحياشهم إلى بني مرين إلا ذوي عبيد الله منهم لما كانت مجالاتهم لصق مجالات بني عبد الواد ومشاركة لها ولما استفحل شأن نيى عبد الواد بين يدي ملكهم زاحموهم عنها بالمناكب ونبذوا إليهم العهد واستخلصوا دونهم المنبات من ذوي منصور أقتالهم فكانوا حلفاء وشيعة ليغمراسن ولقومه وكانت سجلماسة في مجالاتهم ومنقلب رحلتهم وكانت قد صارت إلى ملك بني مرين ثم استبد بها القطراني ثم ثاروا به ورجعوا إلى طاعة المرتضى وتولى كبر ذلك على بن عمر كما ذكرناه في أخبار بني مرين ثم تغلب المنبات على سجلماسة وقتلوا عاملها على بن عمر سنة اثنتين وستين وستمائة وآثروا يغمراسن بملكها ودخل أهل البلد فى القيام بدعوته وحملوهم عليها فجأجأوا بيغمراسن فنهض إليها في قومه وأمكنوه من قيادها فضبطها وعقد عليها لولده يحيى وأنزل معه ابن أخته حنينة واسمه عبد الملك بن محمد بن على بن قاسم بن درم من ولد محمد وأنزل معهما يغمراسن بن حمامة فيمن معهم من عشائرهم وحشمهم فأقام ابنه يحيى أميرا عليها إلى أن غلب يعقوب ابن عبد الحق الموحدين على دار خلافتهم وإطاعته طنجة وعامة بلاد المغرب فوجه عزمه إلى انتزاع سجلماسة من طاعة يغمراسن وزحف إليها فى العساكر والحشود من زناتة والعرب والبربر ونصب عليها آلات الحصار إلى أن سقط جانب من سورها فاقتحموها منه عنوة في صفر سنة ثلاث وسبعين وستمائة واستباحوها وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة ومن معهم من بني عبد الواد أمراء المنبات وصارت إلى طاعة بني مرين آخر الأيام: والملك بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده.

.الخبر عن حروب يغمراسن مع يعقوب بن عبد الحق:

قد ذكرنا ما كان من شأن بني عبد المؤمن عند فشل دولتهم واستطالة بني مرين عليهم في الاستظهار ببني عبد الواد واتصال اليد بهم في الأخذ بحجزة عدوهم من بني مرين عليهم ولما هلك المرتضى وولى أبو دبوس سنة خمس وستين وستمائة وحمي وطيس فتنته مع يعقوب بن عبد الحق فراسل يغمراسن في مدافعته وأكد العهد وأسنى الهدية وأجلب إليه يغمراسن وشن الغارات على ثغور المغرب وأضرمها نارا وكان يعقوب بن عبد الحق محاصرا لمراكش فأفرج عنها ورجع إلى المغرب واحتشد جموعه ونهض إلى لقائه وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ وقد استكمل كل تعبيته وكانت الوقيعة على يغمراسن استبيحت فيها حرمه واستلحم قومه وهلك ابنه أبو حفص عمر أعز ولده عليه في أتراب له من عشيرته مثل: ابن أخته عبد الملك بن حنينة وابن يحيى بن مكي وعمر بن إبراهيم بن هشام ورجع عنه يعقوب بن عبد الحق إلى مراكش حتى انقضى شأنه في التغلب عليها ومحى أثر بني عبد المؤمن منها ونزع لمحاربة بني عبد الواد وحشد كافة أهل المغرب من المصامدة والجموع والقبائل ونهض إلى بني عبد الواد سنة سبعين وستمائة فبرز إليه يغمراسن في قومه وأوليائه من مغراوة والعرب وتزاحفوا بايسلى من نواحي وجدة فكانت الدبرة على يغمراسن انكشفت جموعه وقتل ابنه فارس ونجا بأهله بعد أن أضرم معسكره نارا تفاديا من معرة اكتساحه ونجا إلى تلمسان فانحجر بها وهدم يعقوب بن عبد الحق وجدة ثم نازله بتلمسان واجتمع إليه هنالك بنو توجين مع أميرهم محمد ابن عبد القوي وصل يده بيد السلطان على يغمراسن وقومه وحاصروا تلمسان أياما فامتنعت عليهم وأفرجوا عنها وولى كل إلى عمله ومكان ملكه حسبما نذكره في أخبارهم وانعقدت بينهما المهادنة من بعد ذلك وفرغ يعقوب بن عبد الحق للجهاد ويغمراسن لمغالبة توجين ومغراوة على بلادهم إلى أن كان من شأنهم ما نذكره والله أعلم.

.الخبر عن شأن يغمراسن مع مغراوة وبني توجين وما كان بينهم من الأحداث:

كانت مغراوة في مواطنهم الأولى من نواحي شلف قد سالمتهم الدول عند تلاشي ملكهم وساموهم الجباية فرضوا بها مثل: بني ورسفين وبني يلنث وبني ورتزمير وكان فيهم سلطان لبني منديل بن عبد الرحمن من أعقاب آل خزر ملوكهم الأولى منذ عهد الفتح وما بعده على ما ذكرناه في خبرهم فلما انتثر عقد الخلافة بمراكش وتشظت عصاها وكثر الثوار والخوارج بالجهات استقل منديل بن عبد الرحمن وبنوه بتلك الناحية وملكوا مليانة وتنس وشرشال وما إليها وتطاولوا إلى متيجة فتغلبوا عليها ثم مدوا أيديهم إلى جبل وانشريش وما إليه فتناولوا الكثير من بلاده ثم أزاحهم عنها بنو عطية الحيو وقومه من بني توجين المجاورون لهم في مواطنهم بأعالي شلف شرقي أرض السوس وكان ذلك لأول دخول أحياء زناتة الناجعة بأرض القبلة إلى التلول فتغلب بنو عبد الواد على نواحي تلمسان إلى وادي صا وتغلب بنو توجين على ما بين الصحراء والتل من بلد المرية إلى جبل وانشريس إلى مرات الجعبات وصار التخم لملك بني عبد الواد سبك والبطحاء فمن قبليها مواطن بني توجين ومن شرقها مواطن مغراوة وكانت الفتنة بين بني عبد الواد وبين هذين الحيين من أول دخولهم إلى التلول.
وكان المولى الأمير أبو زكريا بن أبي حفص يستظهر بهذين الحيين على بني عبد الواد ويراغمهم بهم حتى كان من فتح تلمسان ما قدمناه وألبس جميعهم شارة الملك على ما ذكرناه ونذكره في أخبارهم فزاحموا يغمراسن بعدها بالمناكب وصرف هو إليهم وجه النقمة والحروب ولم يزل الشأن ذلك حتى انقرض ملك هذين الحيين لعهد ابنه عثمان بن يغمراسن وعلى يده ثم على يد بني مرين من بعدهم كما يأتي ذكره.
ولما رجع يغمراسن بن زيان من لقاء بني مرين بايسلي من نواحي وجدة التي كانت سنة سبع وأربعين وستمائة وكان معه فيها عبد القوي بن عطية بقومه من بني توجبن وهلك مرجعه منها أنفذ يغمراسن العهد لابنه محمد الأمير بعده وزحف إلى بلاده فجاس خلالها ونازل حصونها فامتنعت عليه وأحسن محمد بن عبد القوي في دفاعه ثم زحف ثانية سنة خمسين وستمائة إليهم فنازل حصن تافركينت من حصونهم وكان به على بن أبي زيان حافد محمد بن عبد القوي فامتنع به في طائفة من قومه ورحل يغمراسن كظيما ولم يزل يغمراسن بعدها يثير الغارات على بلادهم ويجمع الكتائب على حصونهم وكان بتافركينت صنيعة من صنائع بني عبد القوى ونسبه في صنهاجة أهل ضاحية بجاية اختص بهذا الحصن ورسخت قدمه فيه واعتز بكثرة ماله وولده فأحسن الدفاع عنه وكان له مع يغمراسن في الامتناع عليه أخبار مذكورة حتى سطا به بنو محمد بن عبد القوي حين شرهوا إلى نعمته وأنفوا من استبداده فأتلفوا نفسه وتخطفوا نعمته فكان حتف ذلك الحصن في حتفه كما يأتي ذكره.
وعندما شبت نار الفتنة بين يغمراسن ومحمد بن عبد القوي وصل محمد يده بيعقوب بن عبد الحق فلما نازل يعقوب تلمسان سنة سبعين وستمائة بعد أن هدم وجدة وهزم بغمراسن بايسلي جاءه محمد بن عبد القوي بقومه من بنى توجين وأقام معه على حصارها ورحلوا بعد الامتناع عليهم فرجع محمد إلى مكانه ثم عاود يعقوب بن عبد الحق منازلة تلمسان سنة ثمانين وستمائة بعد إيقاعه بيغمراسن في خرزوزة فلقيه محمد بن عبد القوي بالقصبات واتصلت أيديهم على تخريب بلاد يغمراسن مليا ونازلوا تلمسان أياما ثم افترقوا ورجع كل إلى بلده ولما خلص يغمراسن بن زيان من حصاره زحف إلى بلادهم وأوطأ عسكره أرضهم فغلب على الضاحية وخرب عمرانها إلى أن تملكها بعده ابنه عثمان كما نذكره.
وأما خبره مع مغراوة فكان عماد رأيه فيهم التغريب بين بني منديل بن عبد الرحمن للمنافسة التي كانت بينهم في رياسة قومهم ولما رجع من واقعة تلاغ سنة ست وستين وستمائة وهي الواقعة التي هلك فيها ولده عمر زحف بعدها إلى بلاد مغراوة فتوغل فيها وتجاوزها إلى من وراءهم من مليكش والثعالبة وأمكن عمر من مليانة سنة ثمان وستين وستمائة على شرط المؤازرة والمظاهرة على إخوته فملكها يغمراسن يومئذ وصار الكثير من مغراوة إلى ولايته وزحفوا معه إلى المغرب سنة سبعين وستمائة ثم زحف بعدها إلى بلادهم سنة اثنتين وسبعين وستمائة فتجافى له ثابت بن منديل عن تنس بعد أن أثخن في بلادهم ورجع عنها فاسترجعها ثابت ثم نزل له عنها ثانيا سنة إحدى وثمانين وستمائة بين يدي مهلكه عندما تتم له الغلب عليهم والإثخان في بلادهم إلى أن كان الاستيلاء عليها لابنه عثمان على ما نذكره إن شاء الله.